فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا. فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يريدكم، فخذوا حذركم، فأنزل الله: {لا تخونوا الله والرسول} الآية.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن قتادة رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: {لا تخونوا الله والرسول} في أبي لبابة بن عبد المنذر، سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر؟ فأشار إلى حلقه أنه الذبح، فنزلت قال أبو لبابة رضي الله عنه: ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله.
وأخرج سنيد وابن جرير عن الزهري رضي الله عنه في قوله: {لا تخونوا الله والرسول...} الآية. قال نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى حلقه أنه الذبح، فقال أبو لبابة رضي الله عنه: لا والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت أو يتوب عليّ، فمكث سبعة أيام لا يذوق طعامًا ولا شرابًا حتى خر مغشيًا عليه، ثم تاب الله عليه فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك. قال: لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني. فجاء فحله بيده.
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا لبابة رضي الله عنه إلى قريظة وكان حليفًا لهم، فأومأ بيده أي الذبح، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمرأة أبي لبابة. أيصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة؟ فقالت: إنه ليصلي ويصوم ويغتسل من الجنابة ويحب الله ورسوله. فبعث إليه فأتاه فقال: يا رسول الله والله إني لأصلي وأصوم وأغتسل من الجنابة. وإنما نهست إلى النساء والصبيان فوقعت لهم ما زالت في قلبي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول} قال: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه نسختها الآية التي في براءة {وآخرون اعترفوا بذنوبهم} [التوبة: 102].
وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال لما كان شأن بني قريظة، بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس، انتهى إليهم وقعوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس أبلق، فقالت عائشة رضي الله عنها: فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح الغبار عن وجه جبريل عليه السلام، فقلت: هذا دحية يا رسول الله؟ قال: هذا جبريل.
فقال: يا رسول الله ما يمنعك من بني قريظة أن تأتيهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف لي بحصنهم؟ فقال جبريل عليه السلام: إني أدخل فرسي هذا عليهم، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا معرورًا، فلما رآه علي رضي الله عنه قال: يا رسول الله لا عليك أن لا تأتيهم فإنهم يشتمونك. فقال: كلا إنها ستكون تحية، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أخوة القردة والخنازير. فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحاشًا...؟! فقالوا: لا ننزل على حكم محمد صلى الله عليه وسلم ولكننا ننزل على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا فحكم فيهم: أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بذلك طرقني الملك سحرًا، فنزل فيهم {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} نزلت في أبي لبابة رضي الله عنه، أشار إلى بني قريظة حين قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، لا تفعلوا فإنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لا تخونوا الله} قال: بترك فرائضه {والرسول} بترك سنته وارتكاب معصيته {وتخونوا أماناتكم} يقول: لا تنقصوها والأمانة التي ائتمن الله عليها العباد.
وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان رضي الله عنه.
وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه في قوله: {لا تخونوا الله والرسول} هو الإِخلال بالسلاح في المغازي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة لأن الله يقول: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} قال: فتنة الاختبار اختبرهم وقرأ قول الله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء: 35]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}
أموالكم وأولادكم سبب فتنتكم لأن المرءَ- لأجل جمع ماله ولأجل أولاده- يرتكب ما هو خلاف الأمر، فيورثه فتنة العقوبة.
ويقال الفتنةُ الاختبارُ؛ فيختبرك بالأموال.. هل تؤثرها على حق الله؟
وبالأولاد.. هل تتركُ لأجلهم ما فيه رضاء الله؟
فإنْ آثرتم حقَّه على حقِّكم ظهرت به فضيلتُكم، وإنْ اتصفتم بضدِّه عوملتم بما يوجِبه العكس من محبوبكم.
ويقال المالُ فتنةٌ إذا كان عن اللهِ يشغلكم، والأولادُ فتنةٌ إذا لأَجْلِهم قَصَّرْتُم في حقِّ الله أو فَرَّطتُم.
ويقال المال- ما للكفافِ والعفافِ- نِعْمَةٌ، وما للتقاصِر والتفاخرِ فتنةٌ، وفي الجملة ما يشغلكَ عن اللهِ فهو فتنة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (29):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكرهم ما كانوا عليه قبل الهجرة من الضعف، وامتنَّ عليهم بما أعزهم به، وختم هذه بالتحذير من الأموال والأولاد الموقعة في الردى، وبتعظيم ما عنده الحامل على الرجاء، تلاها بالأمر بالتقوى الناهية عن الهوى بالإشارة إلى الخوف من سطواته إشارة إلى أنه يجب الجمع بينهما، وبين تعالى أنه يتسبب عنه الأمن من غيره في الأولى والنجاة من عذابه في الأخرى فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} تكريرًا لهذا الوصف تذكيرًا بما يلزم بادعائه {إن تتقوا الله} بإصلاح ذات بينكم، وذلك جامع لأمر الدين كله {يجعل لكم فرقانًا} أي نصرًا، لأن مادة فرق ترجع إلى الفصل، فكأن الشيء إذا كان متصلًا كان كل جزء منه مقهورًا على ملازمة صاحبه، فإذا جعل له قوة الفرق قدر على الاتصال والانفصال، فحقيقته: يجعل لكم عزًا تصيرون به بحيث تفترقون ممن أردتم متى أردتم وتتصلون بمن أردتم متى أردتم لما عندكم من عزة الممانعة، وتفرقون بين من أردتم متى أردتم لما لديكم من قوة المدافعة، أي يجعل لكم ما يصير لكم به قوة التصرف فيما تريدون من الفصل والوصل الذي هو وظيفة السادة المرجوع إلى قولهم عند التنازع، لا كما كنتم في مكة، لا تأمنون في المقام ولا تقدرون على الكلام- فضلًا عن الخصام- إلا على تهيب شديد، ومع ذلك فلا يؤثر كلامكم أثرًا يسمى به فارقًا، والفاروق من الناس الذي يفرق بين الأمور ويفصلها، وبه سمي عمر- رضى الله عنهم- لأنه أظهر الإسلام بمكة إظهارًا فيه عز وقوة، جعل فيه الإيمان مفارقًا للكفر لا يخافه، وفرق- بالكسر بمعنى خاف- يرجع إلى ما دارت عليه المادة، فإن المراد به: تفرقت همومه من اتساع الخوف، والفرق الذي هو المكيال الكبير كأنه هو الفارق بين الغني والفقير، قال الهروي: هو اثنا عشر مدًا: وأفرق من علته- إذا برئ، أي صارت له حالة فرقت بين صحته ومرضه الذي كان به، ومنه الفريقة وهي تمر وحلبة يطبخ للنفساء؛ وقرفت الشيء- بتقديم القاف: قشرته، والقرف: الخلط، كأنه من الإزالة، لأنهم قالوا: إن فعل يدخل في كل باب، ومنه: قرف الشيء واقترافه: اكتسبه، والاقتراف بمعنى الجماع، ويمكن أن يرجع إلى الوعاء لأن القرف الوعاء، لأنه يفصل مظروفه عن غيره، وفلان قرفتي، أي موضع ظني منه كأنه صار وعاء لذلك، وفرس مقرف، أي بيّن القرفة، أي هجين لأنه واضح التميز من العربي، وقرف بسوء: رمى به، أي جعل وعاء له أو فرق همومه؛ والقفر- بتقديم القاف: المكان الخالي لانفصاله من الناس، وأقفر المكان: خلا، وأقفر الرجل من أهله: انفرد عنهم، وقفر الطعام: خلا من الأدم، ورجل قفر الرأس: لا شعر عليه لانفصاله عنه، وقفر الجسد: لا لحم عليه، والقفار: الطعام لا أدم له، واقتفرت الأثر: اتبعته لتفصله من غيره؛ والفقرة- بتقديم الفاء- والفقار: ما تنضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب لتميز كل واحدة عن أختها، وفقرت الأرض فقرًا: حفرتها حفرًا، فصارت كل واحدة منفصلة من الأخرى، والفاقرة: الداهية الكاسرة للفقار، ومنه الفقر والافتقار للحاجة، وأفقرني دابته: أعارني ظهرها، وراميته من أدنى فقرة: من أدنى معلم لأن المعالم منفصل بعضها عن بعض، والتقفر في رجل الدابة بياض لانفصاله عن بقية لونها، ورفقت بالأمر: لطفت به، ولا يكون ذلك إلا بفصله عما يضره، ومنه الرفيق للصاحب من الرفقة، والمرفق من ذلك لما يحصل به من اللطف.
ولما كان الإنسان محل النقصان فلا يخلو من زلة أو هفوة، أشار إلى ذلك بقوله: {ويكفِّر عنكم سيئاتكم} أي يسترها ما دمتم على التقوى {ويغفر لكم} أي يمحو ما كان منكم غير صالح عينًا وأثرًا، وفيه تنبيه لهم على أن السادات على خطر عظيم لأنهم مأمورون بالمساواة بين الناس، والنفس مجبولة على ترجيح من لاءمها على من نافرها، وإشارة إلى أن الحكم بالعدل في أعلى الدرجات لا يتسنمه إلا الفرد النادر، وقوله: {والله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {ذو الفضل العظيم} مرّج للزيادة على الكفارة والمغفرة من فضله، ومعلم بأنه لا يمتنع عليه شيء، فمن الممكن أن يلزم كلًا منهم طريق العدل وإن كانت من خرق العادة في أعلى محل، وفي الآية أعظم مناسبة لقصة أبي لبابة- رضى الله عنهم- لأنه لما كان الحامل له على ما فعل بنفسه من العقوبة التقوى، فكفرت عنه خطيئته وغفر له، عقبت بها ترغيبًا لغيره في الإسراع بالتوبة عند مواقعة الهفوة، وختم هذه الآية بالفضل على ما كان من نقص، إشارة إلى تفضله سبحانه بما رزق أهل الإسلام من علو المنزلة وانتشار الهيبة وفخامة الأمر في قلوب المخالفين كما هو مشاهد، وختم الآية المحذرة من المداهنة بشديد العقاب، إشارة إلى ما ألبسهم من الأحوال المذكورة في التي تليها من قلة منعتهم واستضعافهم وخوفهم من تخطف المخالفين لهم، ولكنه تعالى رحمهم بأن جعل ذلك من بعضهم ممن يشمله اسم الإسلام لبعض، لا من غيرهم فلبسهم شيعًا وأذاق بعضهم بأس بعض، فكل خائف من الآخر، وصار المتقي من كثرة المخالف لا يزال من المعاطب والمتالف خائفًا يترقب، ومباعدًا لا يقرب، على أنهم لا يعدمون أنصارًا يؤيدهم الله بهم، ولا يزال أهل الظلم يختلفون فيما بينهم فيرجع الفريقان إليهم ويعولون عليهم، فمن نصروه فهو المنصور، فكلامهم عند المضايق هو الفرقان، ولهم في قلوب الظالمين هيبة وإن نزلت بهم الحال أكثر مما للظلمة في قلوبهم من الهيبة ليتيقن الكل أنهم على الحق الذي الله ناصره، وأن أهل الشر على الباطل الذي الله خاذله، قال الحسن البصري رحمه الله في حق العالين في الأرض: أما والله! إن للمعصية في قلوبهم لذلًا وإن طفطف بهم اللحم، فقد انقسم الخوف بينهم نصفين وشتان ما بين الحزبين، فخوفهم يزيدهم الله به أجرًا ويجعله لهم ذخرًا، وخوف أهل الباطل يزيدهم به وزورًا ويجعله لدينه أزرًا، فهذه حقيقة الحال في وصف أهل الحق والمحال. اهـ.

.قال الفخر:

واعلم أنه تعالى لما حذر عن الفتنة بالأموال والأولاد، رغب في التقوى التي توجب ترك الميل والهوى في محبة الأموال والأولاد.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
لقائل أن يقول: إدخال الشرط في الحكم إنما يحسن في حق من كان جاهلًا بعواقب الأمور، وذلك لا يليق بالله تعالى.
والجواب: أن قولنا إن كان كذا كان كذا، لا يفيد إلا كون الشرط مستلزمًا للجزاء، فأما أن وقوع الشرط مشكوك فيه أو معلوم فذلك غير مستفاد من هذا اللفظ، سلمنا أنه يفيد هذا الشك إلا أنه تعالى يعامل العباد في الجزاء معاملة الشاك، وعليه يخرج قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} [محمد: 31].
المسألة الثانية:
هذه القضية الشرطية شرطها شيء واحد وهو تقوى الله تعالى، وذلك يتناول اتقاء الله في جميع الكبائر.
وإنما خصصنا هذا بالكبائر لأنه تعالى ذكر في الجزاء تكفير السيئات، والجزاء يجب أن يكون مغايرًا للشرط، فحملنا التقوى على تقوى الكبائر وحملنا السيئات على الصغائر ليظهر الفرق بين الشرط والجزاء، وأما الجزاء المرتب على هذا الشرط فأمور ثلاثة: الأول: قوله: {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} والمعنى أنه تعالى يفرق بينكم وبين الكفار.